الأدب في العصر الجاهلي ورّثت الحقبة الجاهليّة للعرب أدبًا ناضجًا في لغته وشعره ونثره، وقد اتّسع هذا الأدب اتساعًا كبيرًا في العصر الجاهلي؛ ليشملَ صنوفًا متنوّعةً من المعرفةِ وألوانها؛ من لغةٍ وشعرٍ وبلاغةٍ ونثر، ولكن قلّما انصرف العرب في الجاهلية إلى إتقان الفنون عامّة والخوضِ في ميادينها؛ ذلك لأنّهم قد وجّهوا همهم إلى فنون القول للتعبير عن مشاعرهم، غير أنّ هذا الأدب الجاهلي أيضًا قد غابت بداياته في مجاهل التاريخ، فلم يصل منه إلّا أواخره؛ بسبب ضياع أكثر الشعر والنثر لعدم حفظه، ولأنّ بعضه زال مع الرواة الكثيرين الذين ماتوا في الحـ.ـروب، أمّا النثر فقد وصل للعرب بعضًا منه.
خصائص النثر الجاهلي
النثر الجاهلي النثر هو أحد قسمَيْ الكلام، فالكلام إمّا أن يكون في قالب الشعر المنظوم، وإمّا أن يكون في قالب الكلام المنثور، أمّا النثر فهو الصورة الثانية التي يهتم بها التعبير الأدبي، وهو من ألوان الكلام التي لا تتقيد بالوزن والقافية، إلّا أنّها تعتمد على فنون البلاغة من جناس وطباق وتشبيه واستعارة ومن يرجع إلى العصر الجاهلي يجد اهتمام العرب في الشعر الجاهلي بالشعر أكثر من اهتمامهم بالنثر، مع أنّ الكتابة كانت معروفة لديهم، إلّا أنّ ما وصل للناس من نثرهم قليل، لأنّ حفظ النثر أصعب من حفظ الشعر، فاقتصرت الكتابة على جوانب تختصّ بحياتهم التجارية والاجتماعية والسياسية، كالوصايا والرسائل والخطابة والعقود وكتابة الديون.
خصائص النثر الجاهلي
تصوير النثر الجاهلي تصويرًا يقترب من الواقع والحقيقة. يغلب على هذا النثر العناية والتجويد والبعد عن الضعف. التنغيم الموسيقي بين الجمل،
- يغلب عليه السهولة والوضوح في الألفاظ والتراكيب.
- رقي الأفكار والمعاني.
- جزالة الألفاظ وخشونتها،
- وصحة التراكيب.
- الاهتمام بالمحسّنات البديعيّة وخاصة السجع.
- التنوع في الأساليب الخبرية والإنشائية.
- ومن خصائص النثر الجاهلي كذلك صدق العاطفة
- . جودة الصورة.
- الإغراق في الخيال أحيانًا.
- تصوير البيئة الجاهلية تصويرًا دقيقًا.
سجع الكهان أنواع النثر في العصر الجاهلي كان العرب قديمًا يجتمعون على شكل جماعات، فكان يجري بينهم الكثير من المُنافسات والخصومات والعداوات، إضافة إلى التّسابق في الأفعال والأمجاد والعادات، فكانت لهم تجاربهم التي تستدعي القول، ثمَّ تطوّر هذا القول إلى فنون خاصّة بالنثر،
فاشتُهرت هذه الفنون على مختلف أنواعها وأشكالها.
الخطابة ما العلاقة بين فن الخطابة والتحريض على القتال؟
تُعرف الخطابة بأنّها فنّ من الفنون النثريّة، والتي تَستدعي إلقاء الكلام المنثور مُرسلًا أو مسجوعًا، من أجل التّأثير بالسّامعين وإقناعهم بأفكارٍ معيَّنة، أو إرشادهم إلى الطّريق الصّحيح، ومنعهم من الانحراف إلى الضّلال، فكانت الخطبة شائعة في العصر الجاهلي؛ لِما يحتاجه النَّاس في حياتهم العامة آنذاك، فانتشرت الخطبة في الأسواق واجتماعات الحرب والمجالس، إذ كانت تشتمل على الحكمة الصّائبة والأمثال السائرة
وكانت من خصائص الخطابة
- ، تنوّع الأسلوب
- ، وتحسين الصوت والإقناع
- ، إضافة إلى جودة الإلقاء،
- ومُراعاة السجع
ومن أشهر الخطباء في العصر الجاهلي:
ضمرة بن ضمرة، أكثم بن صيفي، عمرو بن الأهتم المنقري، قيس بن عاصم.
من أمثال الخُطب، خطبة هانئ بن قبيصة في يوم ذي وقار، فكان يُحرِّض قومه على القتال من خلال خطبته، قائلًا: "يا معشر بكر، هالك معذور خير من ناج فرور، إنّ الحذر لا يُنجي من القدر، وإنّ الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الطعن في ثغر النحور أكرم منه في الأعجاز والظهور، يا آل بكر، قاتلوا فما للمنايا من بد"
الأمثال لِمَ اضطرّ اللغويّون إلى التأويل في تفسير الأمثال؟
تُعرف الأمثال بأنّها هي قولٌ سائر على الألسنة، يتميّز بكونه قصيرًا وموجزًا، له مورد ومضرب، وغالبًا ما يكون مُرتبطًا بأشخاص اشتهروا في ذاك العصر بصفات ومواقف محمودة أو عكسها، وقد يكون المثل مستمدًا من قصةٍ أو واقعةٍ حصلت حينذاك[
كما كثرت الأمثال في العصر الجاهلي ولكنّها كانت تسير على ألسنة العامة فيتناقلها كافة الناس، إذ لم يكن هناك أعلام خاصيّين بها، حتى جاء العصر العباسي فحينها أُلّفت الكُتب التي نقلت هذه الأمثال العامَّة، مثل كتاب جمهرة الأمثال للعكسري، وكتاب مجمع الأمثال للميداني،
ومن الأمثلة على فن الأمثال قول عامر بن الظرب:
"ربّ زارع لنفسه حاصد سواه"،
أمَّا عن أبرز خصائص هذا الفن
- الإيجاز في المثل،
- والتركيز على التكثيف على ما يدور حول الموضوع؛
- لذلك اشتهرت الأمثال بالحذف،
- فاضطر اللّغويون إلى التأويل في المعنى والإعراب
- اشتُهرت الأمثال بالتصوير،
- من خلال الاستعانة بالتشبيه والكنايات والاستعارة،
- إذ بلغت الغاية من الجمال في التعبير، والدقة في الإيضاح.
- تميّزت الأمثال باعتمادها على السجع والتوازن، فكانت تحمل موسيقى خاصة وسهلة،
- مما يسّر حفظ الأمثال وتناقلها عبر ألسنة عامة الناس.
كيف استطاعت الحِكَم إصابة المعنى رُغم قلة كلماتها؟
إنّ الحكم هي قول مُوجز ومَشهور، تتمّيز بروعة التعبير، والتي سببها أنّها تحتوي على تجربة إنسانيّة عميقة، إذ شاعت الحكمة على ألسنة العامة في العصر الجاهلي، وذلك لاعتمادهم على بث تجاربهم في الحوادث والسّعي إلى الإخبار عنها، والإرشاد إلى الصواب بمثل هذه التجارب
ومن الخصائص التي تميّزت بها الحكم؛
- إيجاز اللفظ
- ، وحُسن التشبيه،
- وإصابة المعنى،
- وجودة الكناية،
والحِكم بكونها أقوالًا قصيرة فهي في الغالب تجري في مجالس العامة، تختصّ بموقف خاص نُطقت لأجله، وربّما خرجت دون ترتيب لها. كثيرًا ما تٌقتبس الحكم،وتُضمّن في الأشعار والأقوال، كما اشتهر عند العرب في العصر الجاهلي طائفة من الحكماء مثل: لقمان عادوا وهو يختلف عن لقمان الحكيم في القرآن الكريم،
وأكثم بن صيفي، وعامر بن الظرب، وأكثم بن عامر، وهرم بن قطيبة، ولبيد بن ربيعة، وغيرهم الكثير،
ومن الحكم التي تداولت على ألسنة العرب في الجاهليّة، من أقوال أكثم بن عامر: "ويل للشجي من الخلي، لم يذهب من مالك ما وعظك، رب عجلة تهب ريثًا، ادرعوا الليل فإنه أخفى للويل، إذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد، ليس من العدل سرعة العذل، لا تطمع في كل ما تسمع، رب قول أنقذ من صول، حافظ على الصديق ولو في الحريق"
ومن خصائص الوصايا
أنّها تختص بموضوع النّصح والإرشاد،
فتتضمن الحثّ على السلوك النافع،
كما تتميّز بتناسب الجُمل ودقتها،
فهي نتيجة الخبرة الطويلة
، والملاحظة الدقيقة،
ومن أعلام الوصايا في العصر الجاهلي:
وصية زهير بن جناب الكلبي[
ووصيّة زوجة عوف بن ملحم الشيباني،
إضافة إلى وصيّة عامر بن الظرب لقومه، والذي يقول بها: "يا معشر عدوان: لا تشمتوا بالذلة، ولا تفرحوا بالعزة، فبكلّ عيش يعيش الفقير مع الغني، ومن يَرَ يومًا يُرَ به، وأعدوا لكل أمر جوابه، إن مع السفاهة الندم، والعقوبة نكال، وفيها ذمامة، ولليد العليا العاقبة، وإذا شئت وجدت مثلك، إن عليك كما أن لك، وللكثرة الرعب، وللصبر الغلبة، ومن طلب شيئا وجده، وإن لم يجده أوشك أن يقع قريبا منه".
القصص كيف ارتبطت القصص في العصر الجاهلي بالشياطين؟
تُعدّ القصص من فنون العصر الجاهلي التي اكتسبت الشهرة آنذاك، فهي كانت تتنوّع في الكثير من المضامين، كالأساطير والحكايات والأسمار، فتناثرت هذه القصص في كُتب الأدب والتاريخ والأمثال، وكانت هذه القصص تحمل في طيّاتها بعض الحكايات التي تتحدّث عن أيام الحروب والوقائع كيومِ داحس والغبراء، فبقي النّاس يتداولون هذه القصص من خلال الرواية الشفويَّة، ومن ثمَّ بدأ تدوينها في العصر الأموي، وبسبب تداوُل هذه القصص عن طريق الرواية الشفويَّة، فهي في أغلبها يصعب نسبتها إلى أصحابها، فحاول البعض تدوينها في مراجع خاصة من مثل: أبي عبيدة في شرحه لنقائض الجرير والفرزدق، أما عن هذه القصص فقد تشكّلت في أنواع مختلفة، ومنها
القصة الخرافيّة الجاهليّة:
وهي قصص تتحدّث عن مخلوقات غير مرئيّة، وإنّما هي صُنع الخيال الجاهليّ كالشياطين والعنقاء، ومن خصائص هذا النوع من الحكايات أنّها تتميّز بترابُط الأحداث بطريقة واهية وضعيفة، وغالبًا ما تقتصر على حادثة أو اثنتين، ومن أمثال هذه القصص: قصة الهدرة وهو حيوان خرافي له تسعة رؤوس، وقصة التنين حارس الكنوز في اليمن.
القصة المثلية الجاهلية:
وهي القصص التي تقتصر على الأمثال والحكم في أحداثها، ومن خصائص هذه القصص أنّها تكون من صميم التجربة، وأنّها لا تترك جانبًا من جوانب الحياة إلا وتتطرّق بالحديث عنها، ومن أمثال هذه القصص والحكايات ما جاء في الصالة لقمان الحكيم، وأكثم بن صيفي، وزرقاء اليمامة.
القصة التعليلية الجاهلية:
وهي القصص التي تتحدّث عن التراث الدينيّ آنذاك، ومنها القصة التي حدثت في وادي منى، وهي قصة نصب أحد الرجال للأصنام، لتدل على الشّيطان الذي يرجمه الحجاج بالعصر الجاهلي، إضافة إلى القصة الحاصلة بين الطائف ومكّة المكرّمة، وهي قصة قبر أبي رغال، فأبي رغال هو رجل قاد الأعداء ليسيطروا على بلاده، فصبح الناس يرجمون قبره بالحجارة، وغيرها الكثير من القصص التعليلية.
القصة الغرامية الجاهلية:
لم يعهد العرب في العصر الجاهلي بوجود حكايات تتناول الحديث عن الحب والغرام، سواء أكان الحب العفيف، أم الحب الصريح، بيد أنّ الحُب كُرس بشكلٍ ظاهرة، إذ كانت الحياة المعيشيّة لكثيرٍ من الشعراء على شكل قصص بحد ذاتها، كقصة دار جلجلة الخديعة لامرئ القيس، وقصة عنترة ملحمة الحب والصراع الذي سببه لونه الأسود.
قصص اللصوص وقطاع الطرق: وهي القصص التي تختصّ بالحديث عن اللّصوص،
من خصائصها
أنّها تتميّز بلون يُسبّب ميل الشخص إلى الغرائب المضحكة، فمال هذا النوع من القصص إلى الفُكاهة والجد معًا، وكثرت هذه القصص آنذاك، فكانت مُدهشة لإقبال الناس على تداولها.
القصة الجاهلية على لسان الحيوان: وهي في أغلبها قصص قصيرة جاءت على لسان الحيوان، ولكنّها تهدف إلى إظهار حكمة أو عبرة، وأحيانًا تميل إلى الفُكاهة، ومنها قصة ابن آوى والثعلب، والتي كانت عبرة إلى المهارة، وقصة الهدهد التي كانت رمز العبقريّة،